You are on page 1of 14

‫بسم اللـه الرحمن الرحيم‬

‫نفخة البعث‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اللـه‬
‫فال مضل له ومن يضلل فال هادى له‪.‬‬
‫وأشهد أن ال إله إالَّ اللـه وحده ال شريك له وأشهد أن حممداً عبده ورسوله ‪.‬‬
‫ون } ‪ [ .‬آل عمران ‪-‬‬ ‫ين َء َامنُوا َّات ُقوا اللـه َح َّق ُت َقاتِِه َوال تَ ُموتُ َّن إِال َوأَْنتُ ْم ُم ْسلِ ُم َ‬ ‫َّ ِ‬
‫{ يَاأ َُّي َها الذ َ‬
‫‪. ] 102‬‬
‫ث ِم ْن ُه َما ِر َجاال‬ ‫اح َد ٍة َو َخلَ َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َوبَ َّ‬
‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬ ‫{ يَاأ َُّي َها الن ُ‬
‫ام إِ َّن اللـه َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا } ‪ [ .‬النساء ‪. ] 1-‬‬ ‫ِ‬
‫اءلُو َن بِه َواأل َْر َح َ‬ ‫سَ‬
‫َّ ِ‬
‫اء َو َّات ُقوا اللـه الذي تَ َ‬ ‫سً‬
‫ِ ِ‬
‫َكث ًيرا َون َ‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْـم أَ ْع َمـالَ ُك ْم َو َي ْغ ِفـ ْـر لَ ُك ْـم‬ ‫ِ‬
‫ين َء َامنُوا َّات ُقوا اللـه َوقُولُـوا َق ْوال َسدي ًدا (‪ )70‬يُ ْ‬
‫َّ ِ‬
‫{ يَاأ َُّي َها الذ َ‬
‫يما } ‪ [ .‬األحزاب ‪. ] 71 ، 70-‬‬ ‫ِ‬ ‫ذُنُوبَ ُك ْـم َو َم ْـن يُ ِطـ ِع اللـه َو َر ُسولَـهُ َف َق ـ ْد فَ َ‬
‫ـاز َف ْو ًزا َعظ ً‬

‫أما بعـ ــد ‪:‬‬


‫فإن أصدق احلديث كتاب اللـه ‪ ،‬وخري اهلدى هدى حممد ‪ ، ‬وشر األمور حمدثاهتا وكل حمدثة بدعة‬
‫وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة ىف النار‪.‬‬
‫أحبتى فى اللـه ‪:‬‬
‫هذا هو لقاءنا التاسع مع رحلة فى رحاب الدار اآلخرة وها حنن اآلن على موعد مع حديث مروع‬
‫مهيب حيدث حني وقوع الساعة ‪.‬‬
‫اء اللَّهُ ثُ ّمَ‬ ‫ِ‬ ‫الصو ِر فَص ِع َق من فِي َّ ِ‬ ‫قال اللـه تعاىل ‪َ { :‬ونُِف َخ فِي ُّ‬
‫الس َم َوات َو َم ْن في األَرض إِال َم ْن َش َ‬ ‫َ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يء‬
‫اب َوج َ‬ ‫)وأَ ْش َرقَت األَرض بِنُو ِر َر ِّب َها َو ُوض َع الْكتَ ُ‬
‫ام َي ْنظُُرو َن(‪َ 68‬‬ ‫نُف َخ فيه أُ ْخ َرى فَِإذَا ُه ْم قيَ ٌ‬
‫س َما َع ِملَ ْ‬ ‫بِالنَّبِيِّين و ُّ ِ ِ‬
‫ت َو ُه َو أَ ْعلَ ُم‬ ‫)و ُو ِّفيَ ْ‬
‫ت ُك ُّل َن ْف ٍ‬ ‫الش َه َداء َوقُض َي َب ْيَن ُه ْم بِال َ‬
‫ْح ِّق َو ُه ْم ال يُظْلَ ُمو َن(‪َ 69‬‬ ‫ََ‬
‫[الزمر ‪.] 70- 68 :‬‬ ‫بِ َما َي ْف َعلُو َن }‬
‫فبعد أن تكلمنا آنفا عن الصور ‪ ،‬ونفخة الفزع ‪ ،‬والصعق بقى لنا أن نتكلم عن نفخة البعث ؟‬
‫وكما تعودنا أيها األحبة الكرام حىت ال ينسحب بساط الوقت من بني أيدينا سريعاً سوف ينتظم‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫(‪)30‬‬

‫حديثى ىف هذا املوضوع اهلام ىف العناصر التالية ‪:‬‬


‫‪ :‬نفخة البعث‬ ‫أوالً‬
‫ثانيا ً ‪ :‬األدلة على البعث من القرآن والسنة‬
‫ثالثا ً ‪ :‬من مات على شىء بعث عليه‬
‫لقد انتهينا ىف اللقاء املاضى عند هذا املشهد الرهيب ىف وسط هذا الكون املذهل املهيــب حينما ينطق‬
‫صوت جليل قريب يسأل صاحب الصوت وجييب فال يومها من سائل غريه وال جميب ‪.‬‬
‫ويقول بعد فناء كل اخللق قاطبـة أين امللوك ؟! أين اجلبارون ؟! أين املتكربون ؟! مث ينادى جل‬
‫جالله بصوته سبحانه ويقول ‪ :‬ملن امللك اليوم ؟! فال جييب على اللـه أحد ألنه ال أحد جييب على ذاته‬
‫جل ىف عاله ويقول ‪:‬هلل الواحد القهار ‪.‬‬
‫مات كل خملوق ومل يبق إال اللـه الواحد األحد الفرد الصمد الذى مل يلد ومل يولد ومل يكن له كفوا‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحد ‪ ،‬كان آخراً كما كان أوال { ُه َو األ ََّو ُل َواآلخ ُر َوالظَّاه ُر َوالْبَاط ُن َو ُه َو ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم } ‪.‬‬
‫هو األول فال شىء قبله وهو اآلخر فال شىء بعده وهو الظاهر فال شىء فوقه وهو الباطن فال شىء‬
‫دونه وهو السميع العليم ‪.‬‬

‫أولا ً ‪ :‬نفخة البعث‬

‫كل شىء ؟! ففى الصحيحني من حديث أىب هريرة أنه ‪ ‬قال‬ ‫علمه َ‬ ‫واللـه ال يعلمها إال من وسع ُ‬
‫‪ (( :‬بين النفختين أربعون )) قالوا ‪ :‬ياأبا هريرة أربعون يوماً قال أبا هريرة ‪ :‬أبيت ؟ قالوا ‪ :‬ياأبا هريرة‬
‫أربعون شهراً قال ‪ :‬أبيـت ؟ قالـوا ‪ :‬ياأبـا هريـرة أربعون سنة قال ‪ :‬أبيت أن أسأل رسول ‪ ‬عن ذلك‬
‫فعلمها عند اللـه )) (‪. )1‬‬
‫بعد أربعني إذا أراد اللـه أن حيى ويبعث خلقه أنزل من السماء ماءً فتنبت به األجسام ىف القبور حتت‬
‫باطن األرض كما ينبت البقل ‪.‬‬
‫ففى صحيح مسلم أنه ‪ ‬قال‪ (( :‬كل ابن آدم يبلى إال عجب الذنب(‪ )2‬منه خلق ابن آدم ومنه‬

‫ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى االرض‬ ‫‪ )(1‬رواه البخارى رقم (‪ )4814‬فى التفسير سورة الزمر باب قوله ‪ :‬‬
‫إال من شاء اهلل ‪ ، ‬ومسلم رقم (‪ )2955‬فى الفتن باب مابين النفختين ‪ ،‬والموطأ ( ‪ )239 /1‬فى الجنائز ‪ ،‬وأبو داود رقم (‪)4743‬‬
‫فى السنة ‪ ،‬باب فى ذكر البعث والصور ‪ ،‬والنسائى(‪ )4/111‬فى الجنائز ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار اآلخرة "نفخة البعث"‬ ‫(‪)31‬‬

‫يركب )) (‪ )3‬فإذا ماأراد اللـه أن يبعث اخلالئق أتى هبذه العظمة الدقيقة وأتى جبسد صاحبها ‪ ..‬ماتفرق‬
‫منه ىف البحار ‪ ..‬وما تفرق منه ىف الرتاب ‪ ..‬وماذهب منه إىل بطون احليوانات والسباع ‪ ..‬يأتى به اللـه‬
‫جل وعال ويركب اللـه جل وعال جسد صاحبها واللـه يعلم عظمة كل إنسان خلقه من لدن آدم إىل يوم‬
‫القيامة فتكتمل األجساد ىف القبور وحينئذ يأمر إسرافيل بعد ماحيييه أن يلتقم الصور(‪)2‬وينفخ نفخة البعث‬
‫فتخرج األرواح ‪ ..‬أرواح املؤمنني هلا نور وأرواح املشركني هلا ظلمة !! فتسرى األرواح إىل األجساد‬
‫الىت اكتملت كما يسرى السم ىف اللديغ (‪ )3‬وحينئذ يأمر اللـه جل وعال األرض أن تتزلزل وأن تتشقق‬
‫ليخرج منها الناس من لدن آدم إىل آخر رجل قامت عليه القيامة ‪.‬‬
‫اء اللَّهُ ثُ َّم‬ ‫ِ‬ ‫الصو ِر فَص ِع َق من فِي َّ ِ‬ ‫قال تعاىل ‪َ { :‬ونُِف َخ فِي ُّ‬
‫الس َم َوات َو َم ْن في األَرض إِال َم ْن َش َ‬ ‫َ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يء‬
‫اب َوج َ‬ ‫)وأَ ْش َرقَت األَرض بِنُو ِر َر ِّب َها َو ُوض َع الْكتَ ُ‬ ‫ام َي ْنظُُرو َن(‪َ 68‬‬ ‫نُف َخ فيه أُ ْخ َرى فَِإ َذا ُه ْم قيَ ٌ‬
‫س َما َع ِملَ ْ‬ ‫بِالنَّبِيِّين و ُّ ِ ِ‬
‫ت َو ُه َو أَ ْعلَ ُم‬ ‫ت ُك ُّل َن ْف ٍ‬ ‫)و ُو ِّفيَ ْ‬
‫ْح ِّق َو ُه ْم ال يُظْلَ ُمو َن(‪َ 69‬‬ ‫الش َه َداء َوقُض َي َب ْيَن ُه ْم بِال َ‬ ‫ََ‬
‫[الزمر ‪.] 70- 68 :‬‬ ‫بِ َما َي ْف َعلُو َن }‬
‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫اث إِلَى َربِّ ِه ْم َي ْن ِسلُو َن(‪)51‬قَالُوا يَ َاو ْيلَنَا َم ْن َب َع َثنَا ِم ْن‬ ‫َج َد ِ‬ ‫ِ‬
‫الصو ِر فَِإذَا ُه ْم م َن األ ْ‬ ‫{ َونُِف َخ فِي ُّ‬
‫ِ‬ ‫َم ْرقَ ِدنَا َه َذا َما َو َع َد َّ‬
‫ص ْي َحةً َواح َدةً فَِإذَا ُه ْم َج ِم ٌ‬
‫يع‬ ‫ت إِال َ‬ ‫ص َد َق ال ُْم ْر َسلُو َن(‪)52‬إِ ْن َكانَ ْ‬ ‫الر ْح َم ُن َو َ‬
‫س َش ْيئًا َوال تُ ْج َز ْو َن إِال َما ُك ْنتُ ْم َت ْع َملُو َن}‬ ‫ض ُرو َن(‪)53‬فَالَْي ْو َم ال تُظْلَ ُم َن ْف ٌ‬ ‫لَ َد ْينَا ُم ْح َ‬
‫[ يس ‪. ] 54 - 51 :‬‬
‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫ْح ِّق ذَلِ َ‬ ‫اد ِمن م َك ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫{و ْ ِ‬
‫ك َي ْو ُم‬ ‫الص ْي َحةَ بِال َ‬
‫)ي ْو َم يَ ْس َمعُو َن َّ‬ ‫يب(‪َ 41‬‬ ‫ان قَ ِر ٍ‬ ‫استَم ْع َي ْو َم ُينَاد ال ُْمنَ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك َح ْش ٌر‬ ‫اعا ذَلِ َ‬ ‫ش َّق ُق األَرض َع ْن ُه ْم ِس َر ً‬ ‫ِ‬
‫يت َوإِلَْينَا ال َْمص ُير(‪َ 43‬‬
‫)ي ْو َم تَ َ‬ ‫وج(‪)42‬إِنَّا نَ ْح ُن نُ ْحيِي َونُ ِم ُ‬ ‫الْ ُخ ُر ِ‬
‫اف و ِع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َعلَْينَا يَ ِس ٌير(‪)44‬نَ ْح ُن أَ ْعلَ ُم بِ َما َي ُقولُو َن َو َما أَنْ َ‬
‫يد }‬ ‫ت َعلَْي ِه ْم ب َجبَّا ٍر فَ َذ ِّك ْر بالْ ُق ْر َءان َم ْن يَ َخ ُ َ‬
‫[ ق ‪.] 45 - 41 :‬‬
‫واستمع معى إىل قول اللـه عز وجل‬

‫() عجب الذنب ‪ :‬عظمة دقيقة صغيرة التزيد عن حبة العدس توجد فى آخر السلسلة الفقرية فى كل إنسان ‪.‬هذه العظمة التبلى أبداً‬
‫‪2‬‬

‫‪ ،‬يبلى الجسد كله وتبقى هذه العظمة الدقيقة ‪.‬‬


‫‪ )(1‬رواه مسلم رقم (‪ )2955‬فى الفتن ‪ ،‬باب مابين النفختين وهو نفس الحديث السابق إالأن هذه الزيادة ليست فى البخارى ‪.‬‬
‫‪ )(2‬الصور ‪ :‬البوق ( القرن ) ‪.‬‬
‫‪ )(3‬اللديغ ‪ :‬أى الذى لدغه ثعبان أو عقرب ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫(‪)32‬‬

‫)ي ْو َمئِ ٍذ‬


‫سا ُن َما لَ َها(‪َ 3‬‬ ‫ال ا ِإلنْ َ‬ ‫)وقَ َ‬ ‫ِ‬
‫)وأَ ْخ َر َجت األَرض أَْث َقالَ َها(‪َ 2‬‬
‫ِ‬
‫{ إِذَا ُزلْ ِزلَت األَرض ِزل َْزالَ َها(‪َ 1‬‬
‫َّاس أَ ْشتَاتًا لُِي َر ْوا أَ ْع َمالَ ُه ْم(‪)6‬فَ َم ْن َي ْع َم ْل‬
‫ص ُد ُر الن ُ‬
‫ٍ‬
‫)ي ْو َمئِذ يَ ْ‬
‫ك أ َْو َحى لَ َها(‪َ 5‬‬ ‫ِّث أَ ْخبَ َار َها(‪)4‬بِأ َّ‬
‫َن َربَّ َ‬ ‫تُ َحد ُ‬
‫ال ذَ َّر ٍة َش ًّرا َي َرهُ } [ الزلزلة ‪. ] 8 - 1 :‬‬ ‫)و َم ْن َي ْع َم ْل ِم ْث َق َ‬ ‫ِم ْث َق َ ٍ‬
‫ال ذَ َّرة َخ ْي ًرا َي َرهُ(‪َ 7‬‬
‫تعال معى أخى ىف اللـه لنتجول سريعاً مع معاىن هذه اآليات ‪:‬‬
‫ت األَرض أَْث َقالَ َها } ‪:‬‬ ‫ت األَرض ِزل َْزالَ َها(‪)1‬وأَ ْخرج ِ‬ ‫{ إِ َذا ُزلْ ِزلَ ِ‬
‫َ ََ‬
‫أى إذا حدث زلزال األرض العظيم الذى ليس له مثيل على اإلطالق ‪ ،‬فلفظت األرض ما حوته من‬
‫جثث اخلليقة وقالت بلسان احلال لقد أثقلتموىن كثرياً بذنوبكم ومعاصيكم فتحملت منكم الكثري ‪ ،‬من‬
‫سفك دماء ‪ ،‬وسلب وهنب ‪ ،‬وطغيان ‪ ،‬وعربدة ‪ ،‬وسرقة ‪ ،‬وما إىل ذلك من تلكم املعاصى ؟‬
‫سا ُن َما لَ َها } ‪:‬‬ ‫ال ا ِإلنْ َ‬‫{ َوقَ َ‬
‫ماالذى حول أمنها إىل اضطراب ؟! ماالذى حول سكوهنا إىل زلزلة ؟! ماالذى حدث ؟! فرتد‬
‫األرض عليهم وتقول ‪ :‬إهنا أوامر اللـه‪ ...‬سبح ــان اللـه األرض تتكل ــم ! إهنــا إرادة اللـه !!‬
‫ك أ َْو َحى لَ َها } ‪:‬‬ ‫َن َربَّ َ‬ ‫{ َي ْو َمئِ ٍذ تُ َحد ُ‬
‫ِّث أَ ْخبَ َار َها(‪)4‬بِأ َّ‬
‫ىف هذا الوقت سوف تعرف األحداث ‪ ،‬سوف تعرف األخبار وذلك بأمر من اللـه رب السموات‬
‫واألرض ‪.‬‬
‫)و َم ْن َي ْع َم ْل‬ ‫{ يومئِ ٍذ يص ُدر النَّاس أَ ْشتاتًا لِيروا أَ ْعمالَهم(‪)6‬فَمن يعمل ِم ْث َق َ ٍ‬
‫ال َذ َّرة َخ ْي ًرا َي َرهُ(‪َ 7‬‬ ‫َ ْ َْ َ ْ‬ ‫َْ َ َ ْ ُ ُ َ َُ ْ َ ُ ْ‬
‫ِم ْث َق َ‬
‫ال َذ َّر ٍة َش ًّرا َي َرهُ } ‪:‬‬
‫باللـه عليك عش بقلبك ‪ ،‬وكيانك معى هـذا املشهـد الذى خيلع القلب ويزلزل الكيان ‪ .‬األرض‬
‫تتشقق وتتفتح القبور متناثرة هنا وهناك ىف مشال وجنوب وغرب وشرق ‪ ،‬تتشقق تلكم القبور وخيرج‬
‫ص البصر إىل اجتاه‬ ‫من كل قرب عشرة أو مائه أو ألف خيرج من هنا وهنالك خيرج هذا وذاك ‪َ ،‬ش ُخ َ‬
‫واحد اليلتفت مييناً وال يساراً إىل هذا الداعى ‪ -‬امللك الكرمي ‪ -‬الذى جاء بأمر رب العاملني ليقود‬
‫الناس مجيعاً إىل أرض جديدة عفراء مل يطأها أحد من قبل بقدميه أال وهى أرض احملشر ‪.‬‬
‫ات لِ َّ‬
‫لر ْح َم ِن فَال تَ ْس َم ُع إِال‬ ‫َص َو ُ‬‫ت األ ْ‬ ‫اع َي ال ِع َو َج لَهُ َو َخ َ‬
‫ش َع ِ‬ ‫الد ِ‬
‫قال جل وعال ‪َ { :‬ي ْو َمئِ ٍذ َيتَّبِعُو َن َّ‬
‫)ي ْعلَ ُم َما َب ْي َن‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َم ُن َو َرض َي لَهُ َق ْوال(‪َ 109‬‬ ‫اعةُ إِال َم ْن أ َِذ َن لَهُ َّ‬ ‫)ي ْو َمئِ ٍذ ال َت ْن َف ُع َّ‬
‫الش َف َ‬ ‫سا(‪َ 108‬‬ ‫َه ْم ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َم ْن َح َم َل‬ ‫ْح ِّي الْ َقيُّوم َوقَ ْد َخ َ‬
‫)و َعنَت ال ُْو ُجوهُ لل َ‬ ‫أَيْدي ِه ْم َو َما َخ ْل َف ُه ْم َوال يُحيطُو َن به عل ًْما(‪َ 110‬‬
‫[ طه ‪. ] 111 - 108 :‬‬ ‫ظُل ًْما }‬
‫اع َي ال ِع َو َج لَهُ } ال يلتفت أحد وال يتخلف أحد ‪ ،‬أيتها العظام البالية أيتها‬ ‫الد ِ‬
‫{ َي ْو َمئِ ٍذ َيتَّبِعُو َن َّ‬
‫فى رحاب الدار اآلخرة "نفخة البعث"‬ ‫(‪)33‬‬

‫العظام النخرة ‪ ،‬ياأكفاناً خاوية ويا قلوباً خاوية ويا عيوناً سائلة ويا أبداناً فاسدة ‪.‬‬
‫أيها الناس مجيعاً ىف القبور حان وقت القيام لفصل القضاء بني يدى امللك الغفور ‪.‬‬
‫ترى كيف خيرج الناس من قبورهم ؟!‬
‫خيرج الناس من القبور حفاة ‪ ،‬عراة ‪ ،‬غُ ْرال ‪ .‬النعال ىف أقدامهم ‪ .‬الثياب تغطى أبداهنم ‪ .‬الشىء‬
‫يسرتهم ‪.‬‬
‫غرال ‪ :‬مجع أغرل واألغرل هو الصىب الصغري املولــود قبل ختانه ‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل ‪َ { :‬ك َما بَ َدأنَا أ ََّو َل َخل ٍـق نُّعي ُدهُ َو ْعـداً َعلَينَا َحقاً إِنَّا ُكنَّا فَاعل َ‬
‫ين }‬
‫[ االنبياء ‪. ] 104 :‬‬
‫يقول النىب ‪ (( ‬يحشر الناس حفاةً عراةً غرالً )) ‪.‬‬
‫فتعجبت عائشة أم املؤمنني قالت ‪ :‬يارسول اللـه الرجال والنساء ينظر بعضهم إىل بعض ؟!! فقال‬
‫املصطفى ‪(( : ‬ياعائشة األمر أشد من أن يهمهم ذلك )) (‪. )1‬‬
‫قال جل وعال ‪:‬‬
‫اخةُ(‪)33‬يوم يِفُّر الْمرء ِمن أ َِخ ِيه(‪)34‬وأُِّمِه وأَبِ ِيه(‪)35‬وص ِ‬
‫احَبتِِه َوبَنِ ِيه(‪)36‬لِ ُك ِّل‬ ‫الص َّ‬
‫ت َّ‬ ‫{ فَِإ َذا جاء ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫ََ‬
‫ْام ِر ٍئ ِمْن ُه ْم َيْوَمئِ ٍذ َشْأ ٌن ُي ْغنِ ِيه }‬
‫[ عبس ‪.] 37 - 33 :‬‬
‫تصور هذا املشهد ياعبد اللـه لتقف على هول وفظاعة هذا اليوم ‪.‬‬
‫مستوحشاً‪ G‬قلق األحشاء حيرانا‬ ‫تذكر وقوفك‪ G‬يوم العرض عريان‬
‫على العصاة ورب العرش غضبانا‬ ‫والنار تلهب من غيظ ومن حنق‬
‫فهل ترى فيه حرفاً‪ G‬غير ما كانا‬ ‫اقــرأ كتابك ياعبد على مهل‬
‫إقرار من عرف األشياء عرفانا‬ ‫فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت‬
‫وامضو بعبد عصى للنار عطشانا‬ ‫نادى الجليل خذوه يامالئكتى‬
‫والمؤمنون بدار الخلـ ــد سكانا‬ ‫المشــركون غداً فى النار يلتهبوا‬
‫ياعبد اللـه دثر نفسك ىف هذا اليوم برداء طيب كرمي أال وهو رداء العمل الصاحل ‪ ..‬دثر جسدك ىف‬
‫هذا اليوم برداء العمل الصاحل ‪ ..‬رداء الطيبات الصاحلات الباقيات عند رب األرض والسموات ‪.‬‬
‫ذلك أن العمل الصاحل هو القائد الوحيد إىل جنان العزيز احلميد ‪.‬‬
‫‪ )(1‬رواه البخارى رقم (‪ )6527‬فى الرقاق ‪ ،‬باب الحشر ‪ ،‬ومسلم رقم (‪ )2859‬فى الجنة ‪ ،‬باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬والنسائى (‪ )4/114‬فى الجنائز ‪ ،‬باب البعث ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫(‪)34‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬األدلة على البعث من القرآن والسنة‬

‫ها هو أحد اجلاحدين يأتى إىل النىب ‪ ‬بعظم فيفته بني يديه ويذره ىف اهلواء ويقول للنىب ىف سخرية‬
‫واستهزاء ‪ :‬ياحممد أتزعم أن ربك يبعث هذا بعد ماصار رميماً ؟!! فقال له النىب ‪ (( : ‬نعم يميتك ثم‬
‫يحيك ثم يدخلك النار )) ‪.‬‬
‫فنزل قول اللـه جل وعال ‪:‬‬
‫ِ‬
‫ب لَنَا َمثَاًل َونَ ِس َي َخ ْل َقهُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ض َر َ‬
‫)و َ‬
‫ين(‪َ 77‬‬ ‫يم ُمبِ ٌ‬
‫سا ُن أَنَّا َخلَ ْقنَاهُ م ْن نُطْ َفة فَِإذَا ُه َو َخص ٌ‬ ‫{ أ ََولَ ْم َي َر ا ِإلنْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يم(‪)78‬قُ ْل يُ ْحيِ َيها الَّ ِذي أَنْ َ‬ ‫ال من يحيِي ال ِْعظَ ِ ِ‬
‫يم(‬‫شأ ََها أ ََّو َل َم َّرة َو ُه َو ب ُك ِّل َخل ٍْق َعل ٌ‬ ‫ام َوه َي َرم ٌ‬ ‫َ‬ ‫قَ َ َ ْ ُ ْ‬
‫س الَّ ِذي َخلَ َق‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪)79‬الَّ ِذي َج َع َل لَ ُك ْم ِم َن َّ‬
‫ض ِر نَ ًارا فَإذَا أَْنتُ ْم م ْنهُ تُوق ُدو َن(‪)80‬أ ََولَْي َ‬ ‫الش َج ِر األَ ْخ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يم(‪ )81‬إِنَّ َما أ َْم ُرهُ إِذَا أ ََر َ‬
‫اد‬ ‫الس َم َوات َواألَرض ب َقاد ٍر َعلَى أَ ْن يَ ْخلُ َق م ْثلَ ُه ْم َبلَى َو ُه َو الْ َخال ُق ال َْعل ُ‬
‫وت ُك ِّل َش ْي ٍء َوإِلَْي ِه ُت ْر َجعُو َن }‬ ‫س ْب َحا َن الَّ ِذي بِيَ ِد ِه َملَ ُك ُ‬‫ول لَهُ ُك ْن َفيَ ُكو ُن(‪)82‬فَ ُ‬ ‫َش ْيئًا أَ ْن َي ُق َ‬
‫[ يس ‪. ] 83 - 77 :‬‬
‫يقول املصطفى‪ ‬كما ىف احلديث الذى رواه أحــمد ىف مسنده بسند حسن من حديث بسر بن‬
‫جحاش القرشى أن احلبيب النىب ‪ ‬بصق يوماً على كفه ووضع املصطفى أصبعه عليها مث قال ‪ :‬قال اللـه‬
‫تعاىل ‪(( :‬ياابن آدم أنى تعجزنى وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين‬
‫برديـن ولألرض منـك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغــت الروح التراقى قلت أتص ــدق ‪َ ،‬وأّنَّى‬
‫أوان الصــدقة )) (‪. )1‬‬
‫ك نُطْ َفةً ِم ْن َمنِ ٍّي يُ ْمنَى(‪)37‬ثُ َّم َكا َن‬ ‫ب ا ِإلنْ َ‬
‫سا ُن أَ ْن ُي ْت َر َك ُس ًدى(‪)36‬أَلَ ْم يَ ُ‬ ‫س ُ‬‫قال تعاىل ‪ { :‬أَيَ ْح َ‬
‫اد ٍر َعلَى أَ ْن يُ ْحيِ َي‬ ‫س َذلِ َ‬
‫ك بَِق ِ‬ ‫َّ‬ ‫س َّوى(‪)38‬فَ َج َع َل ِم ْنهُ َّ‬
‫الز ْو َج ْي ِن الذ َك َر َواألُْنثَى(‪)39‬أَلَْي َ‬ ‫َعلَ َقةً فَ َخلَ َق فَ َ‬
‫ال َْم ْوتَى }‬
‫[ القيامة ‪.] 40- 36 :‬‬
‫بلى وعزته وجالله إنه لقادر على أن يبعث املوتى ‪.‬‬
‫وىف الصحيحني من حديث أىب هري ــرة أن النىب ‪ ‬قــال ‪ :‬قـال اللـه تعاىل ‪ (( :‬كذبنى ابن آدم ولم‬
‫يكن له ذلك ‪ ،‬وشتمنى ابن آدم ولم يكن له ذلك ‪ ،‬أما تكذيبه إياى ‪ ،‬فقوله لن يعيدنى كما بدأنى‬
‫على من إعادته وأما شتمه إياى فقوله اتخذ اللـه ولدا وأنا األحد الصمد‬
‫‪ ،‬وليس أول الخلق بأهون َّ‬
‫‪ )(1‬أخرجه أحمد فى المسند (‪ ، )17769‬وعند ابن ماجة رقم (‪. )2707‬‬
‫فى رحاب الدار اآلخرة "نفخة البعث"‬ ‫(‪)35‬‬

‫لم ألد ولم أولد ولم يكن لى كفوا أحد )) (‪. )1‬‬
‫قال تعاىل ‪َ { :‬ز َع َـم َّالِذ َين َكَفُروا أَن َلن يُ َبعثُوا قُل َبَلى َوَربَّى َلُت َبعثُ َّن ثَُّم َلُتَنَب َّ‬
‫ئون ِبَما َعِم ُـلتـم }‬
‫[ التغابن ‪. ] 7 :‬‬
‫أى سيبعثهم اللـه وسوف يقرأوا ىف الصحائف الىت التغادر صغرية وال كبرية وال تظلم مثقال ذرة من‬
‫أعماهلم الىت اقرتفوها ‪.‬‬
‫فرد الكفار املعاندون املكابرون وقالوا كما جاء ىف كتاب اللـه ‪َ { :‬وقَالُوا أَئِ َذا ُكنَّا ِعظَ ًاما َو ُرفَاتًا أَئِنَّا‬
‫ص ُدو ِر ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَ َم ْبعُوثُو َن َخ ْل ًقا َجدي ًدا(‪)49‬قُ ْل ُكونُوا ح َج َارةً أ َْو َحدي ًدا(‪)50‬أ َْو َخ ْل ًقا م َّما يَ ْك ُب ُر في ُ‬
‫ضو َن إِلَْي َ‬ ‫س ُي ْن ِغ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ُه ْم َو َي ُقولُو َن َمتَى ُه َو قُ ْل‬
‫ك ُرءُ َ‬ ‫سَي ُقولُو َن َم ْن يُعي ُدنَا قُ ِل الذي فَطََر ُك ْم أ ََّو َل َم َّرة فَ َ‬‫فَ َ‬
‫)ي ْو َم يَ ْدعُو ُك ْم َفتَ ْستَ ِجيبُو َن بِ َح ْم ِد ِه َوتَظُنُّو َن إِ ْن لَبِثْتُ ْم إِال قَلِيال }‬
‫سى أَ ْن يَ ُكو َن قَ ِريبًا(‪َ 51‬‬ ‫َع َ‬
‫[اإلسراء ‪.]52-49 :‬‬
‫وىف الصحيحني من حديث أىب هريرة أنه ‪ ‬قال (( كان رجل يسرف على نفسه فلما حضرته‬
‫الوفاة جمع بنيه وقال يا بنى إذا أنا مت فحرقونى فإذا صرت فحماً فاسحقونى فإذا كان يوم ريح‬
‫على ربى ليعذبنى‬
‫عاصف فزرونى ‪ -‬وىف لفظ فازروا نصفى ىف الرب ونصفى ىف البحر ‪ -‬فإلن قدر َّ‬
‫عذابا ماعذبه أحداً من العالمين )) وأخذ هذا الرجل العهود واملواثيق على أوالده أن حيرقوه وأن‬
‫يسحقوه وأن ينثروه فىالريح ىف الرب والبحر فلما مات الرجل فعلوا به ذلك ‪ .‬يقول املصطفى ‪ (( : ‬فأمر‬
‫اللـه البر فجمع مافيه وأمر اللـه البحر فجمع مافيه وقال الملك جل جالله لهذا الرجل كن ‪ ،‬فإذا‬
‫هو رجل قائم بين يديه سبحانه ثم قال ‪ :‬عبدى ما حملك على ذلك ؟ قال ‪ :‬خشيتك يارب وأنت‬
‫تعلم فغفر اللـه له )) (‪. )2‬‬
‫وىف الصحيحني من حديث أنس بن مالك رضى اللـه عنه قال ‪ :‬مسعت النىب ‪ ‬يقول قال اللـه ‪:‬‬
‫(( ياابن آدم إنـك ما دعـوتنى ورجـوتنى غفرت لـك علـى ماكان منك وال أبالى ‪ ،‬ياابن آدم لو بلغت‬
‫ذنوبك عنان السماء ثم اسـتغفرتنى غفرت لك على ما كان منك وال أبالى ‪ ،‬ياابن آدم لو أتيتنى‬

‫‪ )(1‬رواه البخارى رقم (‪ )4974‬فى تفسير سورة قل هو اهلل أحد والنسائى (‪ )4/112‬فى الجنائز ‪ ،‬باب أرواح المؤمنين‪. G‬‬
‫‪ )(2‬رواه البخارى رقم (‪ )7508‬فى التوحيد ‪ ،‬باب قوله تعالى ‪ ‬يريدون أن يبدلوا كالم اهلل‪ ، ‬ومسلم رقم (‪ )2756‬فى التوبه ‪،‬‬
‫باب فى سعة رحمة اهلل تعالى وأنها سبقت غضبه ‪ ،‬والموطأ (‪ )240 /1‬فى الجنائز ‪ ،‬باب جامع الجنائز ‪ ،‬والنسائى ( ‪)4/113‬‬
‫وفى الجنائز باب أرواح المؤمنين‪. G‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫(‪)36‬‬

‫ب ُقـراب األرض خطايا ثم لقيتنى ال تشرك بى شيئاً ألتيتك بقرابها مغفـرة )) (‪. )1‬‬
‫ولقد ضرب اللـه لنا أمثلة عملية ىف كتابه الكرمي نزفها إىل كل من جيهل حقيقة البعث وينكر هذه‬
‫احلقيقة الىت الريب فيها ‪.‬‬
‫ال أَنَّى يُ ْحيِي َه ِذ ِه اللَّهُ َب ْع َد‬ ‫وش َها قَ َ‬ ‫قال سبحانه ‪ { :‬أَو َكالَّ ِذي م َّر َعلَى َقري ٍة و ِهي َخا ِويةٌ َعلَى عُر ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت ِمائَةَ َع ٍام‬ ‫ض َي ْوٍم قَ َ‬
‫ال بَ ْل لَبِثْ َ‬ ‫ت َي ْو ًما أ َْو َب ْع َ‬ ‫ال لَبِثْ ُ‬‫ت قَ َ‬ ‫ال َك ْم لَبِثْ َ‬ ‫َم ْوتِ َها فَأ ََماتَهُ اللَّهُ ِمائَةَ َع ٍام ثُ َّم َب َعثَهُ قَ َ‬
‫ك َءايَةً لِلن ِ‬
‫َّاس َوانْظُْر إِلَى ال ِْعظَ ِام‬ ‫سنَّ ْه َوانْظُْر إِلَى ِح َما ِر َك َولِنَ ْج َعلَ َ‬ ‫ك لَ ْم َيتَ َ‬ ‫ك َو َش َرابِ َ‬ ‫فَانْظُْر إِلَى طَ َع ِام َ‬
‫َن اللَّهَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير(‪َ )259‬وإِ ْذ قَ َ‬
‫ال‬ ‫ال أَ ْعلَ ُم أ َّ‬‫وها لَ ْح ًما َفلَ َّما َتَبيَّ َن لَهُ قَ َ‬
‫س َ‬
‫َكي َ ِ‬
‫ف ُن ْنش ُز َها ثُ َّم نَ ْك ُ‬ ‫ْ‬
‫ال فَ ُخ ْذ أ َْر َب َعةً‬ ‫ال َبلَى َولَ ِك ْن لِيَط َْمئِ َّن َق ْلبِي قَ َ‬ ‫ال أ ََولَ ْم ُت ْؤ ِم ْن قَ َ‬
‫ف تُ ْحيِي ال َْم ْوتَى قَ َ‬ ‫ب أَ ِرنِي َك ْي َ‬ ‫يم َر ِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫إ ْب َراه ُ‬
‫َن اللَّهَ‬‫ك َس ْعيًا َوا ْعلَ ْم أ َّ‬‫اج َع ْل َعلَى ُك ِّل َجبَ ٍل ِم ْن ُه َّن ُج ْز ًءا ثُ َّم ا ْدعُ ُه َّن يَأْتِينَ َ‬ ‫ك ثُ َّم ْ‬ ‫م َن الطَّْي ِر فَ ُ‬
‫ص ْر ُه َّن إِلَْي َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫[ البقرة ‪.] 260-259 :‬‬ ‫يم }‬‫َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يقول أهل التفسري ‪:‬‬
‫مر العـُـزير علــى قرية بيت املقدس وقد دمر القرية خبتنصر وأصبحت ال مظهر فيها ألسباب احلياة‬
‫فوقف العزير أمام هذه القرية متأمالً متدبراً مث قال كيف حيى اللـه هذه القرية بعد موهتا ؟!!‬
‫كيف يبعث اللـه جل وعال هؤالء األموات ؟!! وكيف يعيد احلياة إىل هذه القرية اخلاوية ؟!!‬
‫فأماته اللـه مائة سنة مث بعثه ‪ ،‬وخاطبه بواسطة امللك قال ‪ :‬ياعزير كم لبثت ؟!! فوجد العزير الشمس‬
‫متيل إىل الغروب فظن أهنا مشس اليوم الذى نام فيه فقال ‪ :‬لبثت يوماً أو بعض يوم قال ‪ :‬ياعزير لقد‬
‫لبثت مائة سنة ‪ ،‬كيف ذلك ؟!!‬
‫انظر إىل وجهى املقارنة الثابت ‪ ،‬واملتحرك ‪ ،‬انظر إىل طعامك وشرابك مل يتسنه أى مل يتغري لونه أو‬
‫طعمه أو رائحته ‪.‬‬
‫فكر ىف هذا جيداً لتعلم أن امللك على كل شىء قدير ‪ ..‬انظر إىل محارك فإذا به قد بلى وحتول إىل‬
‫عظام رميم فأمر اللـه جال وعال أن حيىي هذا احلمار أمام عينه وبني يديه ليجعله برهاناً دامغاً للناس مجيعاً‬
‫على أن اللـه على كل شئ قدير ‪ ،‬أمر اللـه تعاىل األرض أن جتمع العظام ‪ ،‬فجاءت العظام من هنا ومن‬
‫هناك بعدما صارت رميم فالتئمت واكتملت وصار كل عظم إىل جوار العظم الذى يليه فرتكبت العظام‬
‫وأصبح احلمار هيكالً عظمياً فقط بني يدى العزير وعلى الفور أمر اللـه جل وعال أن تكسى العظام‬

‫‪ )(1‬رواه الترمذى رقم (‪ )3534‬فى الدعوات ‪ ،‬باب رقم (‪ ، )106‬وحسنه شيخنا األلبانى فى الصحيحة برقم (‪ )127‬وهو فى‬
‫صحيح الجامع رقم (‪. )4338‬‬
‫فى رحاب الدار اآلخرة "نفخة البعث"‬ ‫(‪)37‬‬

‫باللحم وبالتواىل أمر أن يكسى اللحم بالشعر ‪ ،‬وىف التو أمر اللـه امللك أن ينفخ الروح فنهق احلمار بإذن‬
‫اللـه سبحانه الذى أحىي العظام وهى رميم !! هذه هى طالقة القدرة الىت انفرد هبا الواحد الفرد الصمد‬
‫!!‬
‫َن اللَّهَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير }‬
‫فنظر العزير إىل هذه وقال‪ { :‬أَ ْعلَ ُم أ َّ‬
‫وإبراهيم اخلليل عليه السالم قال ‪ :‬رب أرىن كيف حتى املوتى بعد هالكها ؟!! قال أومل تؤمن‬
‫ياإبراهيم ؟! قال بلى يارب ولكن ليطمئن قلىب قال ‪ :‬ياإبراهيم خذ أربعة من الطري اذحبهن وعلمهن‬
‫واخلط العظم مع اللحم مع الريش ؟ وخذ كوماً من حلم وعظم وريش خملوط وممزوج وضع كل جزء‬
‫من اخلليط هذا على رأس جبل ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير رحمه اللـه تعالى‪ :‬وجعل إبراهيم رؤوس الطيور ىف يديه مث وقف إبراهيم‬
‫عليه السالم ونادى على هذه الطيور فجاءت تسعى إىل إبراهيم ومل يأتى طرياناً لينظر إبراهيم بعينه‬
‫وليطمئن أنه هو بعينه الذى ذحبه وعلمه بيده حىت جاء كل طري إىل إبراهيم ‪.‬‬
‫يقول احلافظ ‪ :‬فكان إبراهيم إذا قدم رأساً لطائر ليست رأسه أىب فإذا قدم الرأس جلسدها التأم‬
‫الرأس ىف اجلسد بإذن اللـه ‪.‬‬
‫ِ‬
‫َن اللَّهَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم }‬ ‫{ َوا ْعلَ ْم أ َّ‬
‫قدرة اللـه ال حتدها حدود ‪ ..‬قدرة اللـه ليس هلا هناية ‪ ..‬قدرة اللـه‪ ،‬العقل قاصر عن إدراك حدودها‬
‫‪.‬‬
‫ولقد ذكر اللـه مثاال ثالثاً سنختم به هذا العنصر اهلام ‪.‬‬
‫مائة سنني وازدادو تسعة { أ َْم‬ ‫ذكر اللـه أصحاب الكهف الذين لبثوا ىف كهفهم موتى ثالث ٍ‬
‫الرقِ ِيم َكانُوا ِمن ءاياتِنَا َعجبا(‪)9‬إِ ْذ أَوى ال ِْف ْتيةُ إِلَى الْ َك ْه ِ‬
‫ف َف َقالُوا‬ ‫ف َو َّ‬ ‫اب الْ َك ْه ِ‬
‫َص َح َ‬ ‫َن أ ْ‬ ‫ت أ َّ‬ ‫َح ِس ْب َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ًَ‬ ‫ْ ََ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض َر ْبنَا َعلَى َءاذَان ِه ْم في الْ َك ْهف سن َ‬
‫ين‬ ‫ك َر ْح َمةً َو َهيِّ ْئ لَنَا ِم ْن أ َْم ِرنَا َر َش ًدا(‪)10‬فَ َ‬‫َر َّبنَا َءاتِنَا ِم ْن لَ ُدنْ َ‬
‫صى لِ َما لَبِثُوا أ ََم ًدا }‬ ‫َع َد ًدا(‪)11‬ثُ َّم بع ْثنَاهم لَِنعلَم أ ُّ ِ‬
‫َي الْح ْز َب ْي ِن أ ْ‬
‫َح َ‬ ‫ََ ُ ْ ْ َ‬
‫[الكهف ‪]12-9 :‬‬
‫اللـه أكرب ‪ ...‬أماهتم اللـه هذه السنوات مث بعثهم ليجعلهم آية للناس إنه جل وعال على كل شىء‬
‫قدير ‪.‬‬
‫‪ :‬إن من َكلَّف عقله ليصل إىل حدود قدرة اللـه كالذى كلف منلة أن تنقل جبالً من موضعه إىل موضع آخر ‪.‬‬ ‫أيها األخيار‬
‫ياشافـى‪ G‬األمراض من أرداك ؟!‬ ‫قل للطبـيب تخطفتـه يد الردى‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫(‪)38‬‬

‫عجزت فنون الطب من عافاك ؟!‬ ‫قل للمريض نجا وعوفى‪ G‬بعدما‬
‫من ياصحيح بالمنايا دهاك ؟!‬ ‫قل للصحيــح مات ال من علة‬
‫بالاصطدام من ياأعمى يقود خطاك؟!‬ ‫بل سائل األعمى خطى وسط‪ G‬الزحام‬
‫فهوى‪ G‬بها من ذا الذى أهـواك ؟!‬ ‫بل سائل البصير كان يحذر حفرة‬
‫وال مرعى من ذا الذى يرعاك ؟!‬ ‫وسل الجنين يعيش معزوال بـال راع‬
‫لدى الوالدة من ذا الذى أبكاك ؟!‬ ‫وإ ذا الوليد بكى وأجهـش بالبكاء‬
‫من ياثعبان بالسموم حشاك ؟!‬ ‫وإ ذا تــرى الثعبان ينفـث سمه‬
‫أو تحيى وهذا السم يمأل فاك ؟!‬ ‫وسله كيف تعي ــش ياثعبان‬
‫شهداً وقل للشهد من حالك ؟!‬ ‫واسأل بطون النحل كيف تقاطرت‬
‫ودم مــن ذا الذى صفاك ؟!‬ ‫ٍ‬
‫فرث ٍ‬ ‫بل سـائل اللبن المصفى كان بين‬
‫أإله مع اللـه !! أإله مع اللـه !! أإله مع اللـه !!‬
‫ال إله إال اللـه ‪ ،‬وال رب غريه ‪ ،‬وال معبود حبق سواه‬
‫وأقول قوىل هذا وأستغفر اللـه ىل ولكم‬
‫الخطبة الثانية ‪:‬‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده اللـه‬
‫فال مضل له ومن يضلل فال هادى له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اللـه وحده الشريك له وأشهد أن حممداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه‬
‫‪ ،‬بلغ الرسالة وأدى األمانة ‪ ،‬ونصح األمة وكشف اللـه به الغمة ‪ ،‬فاللـهم أجزه عنا خري ما جزيت به‬
‫نبياً عن أمته ورسوالً عن دعوته ورسالته وصل اللـهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫أحبتى فى اللـه ‪:‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬من مات على شىء بعث عليه‬

‫أخى ىف اللـه مرة ثانية أعرىن قلبك ومسعك فإن املوضوع من األمهية واخلطورة القصوى مبكان ‪.‬‬
‫فلقد ورد ىف حديث ىف صحيح مسلم أن النىب ‪ ‬قال ‪:‬‬
‫فى رحاب الدار اآلخرة "نفخة البعث"‬ ‫(‪)39‬‬

‫(( يبعث كل عبد على ما مات عليه )) (‪. )1‬‬


‫ياعبد اللـه س تبعث على أى هيئة مت عليها ف إن كنت من الس عداء مت على طاعة س تبعث ي وم‬
‫القيامة عليها ‪ ،‬وإن كنت من األشقياء مت على معصية ستبعث عليها يوم القيامة ‪.‬‬
‫اللـه أكرب ‪...‬‬
‫هناك من يبعث والنور يشرق من وجهه ‪ ،‬ومن أعضائه ‪ ،‬وعن ميينه ‪ ،‬ومن بني يديه قال تعاىل ‪{ :‬‬
‫ور ُه ْم يَ ْس َعى َب ْي َن أَيْ ِدي ِه ْم َوبِأَيْ َمانِ ِه ْم َي ُقولُو َن َر َّبنَا أَتْ ِم ْم لَنَا‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َي ْو َم ال يُ ْخ ِزي اللَّهُ النَّب َّي َوالذ َ‬
‫ين َء َامنُوا َم َعهُ نُ ُ‬
‫[ التحرمي ‪. ] 8 :‬‬ ‫ك َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير }‬ ‫ورنَا َوا ْغ ِف ْر لَنَا إِنَّ َ‬
‫نُ َ‬
‫ورد ىف األثر الذى أورده السيوطى ىف الدر املنثور وعزاه السيوطى البن‬
‫أىب حامت وابن املنذر وابن مردويه وروى احلاكم األثر ىف املستدرك وصححه على شرط الشيخني‬
‫الذهىب وقال ‪ :‬بل هو صحيح على شرط البخارى ‪ ،‬أن عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه‬ ‫وتعقب احلاكم َّ‬
‫عنه قال ‪ " :‬منهم من يكون نوره كالجبل ومنهم من يكون نوره كالنخلة ‪ ،‬ومنهم من يكون نوره‬
‫كالرجل القائم ‪ ،‬ومنهم من يكون نوره على إبهامه يوقد مرة ويطفأ مرة ‪ ،‬ومنهم من تحيط الظلمة‬
‫به من كل ناحية " ‪.‬‬
‫يل ْار ِجعُوا‬ ‫ِ‬ ‫ات لِلَّ ِذين ءامنوا انْظُرونَا َن ْقتبِ ِ‬
‫ول ال ُْمنَافِ ُقو َن َوال ُْمنَافِ َق ُ‬
‫س م ْن نُو ِر ُك ْم ق َ‬‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫{ َي ْو َم َي ُق ُ‬
‫اب }‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ض ِرب بيَنهم بِسو ٍر لَه باب ب ِ‬
‫اطنُهُ فِ ِيه َّ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َمةُ َوظَاه ُرهُ م ْن قبَله ال َْع َذ ُ‬ ‫ورا فَ ُ َ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ ٌ َ‬ ‫سوا نُ ً‬ ‫اء ُك ْم فَالْتَم ُ‬
‫َو َر َ‬
‫[ احلديد ‪. ]13 :‬‬
‫ينادى أهل الظلمات أهل األنوار ‪ :‬ياأهل األنوار انتظرونا ‪ ،‬الترتكونا ىف هذا الظالم احلالك الدامس‬
‫!! أمل نكن معكم ؟ أمل نصلى معكم صالة اجلماعة؟ أمل نشهد معكم الغزوات ؟ { قَالُوا َبلَى َولَ ِكنَّ ُك ْم‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء أ َْم ُر اللَّه َوغَ َّر ُك ْم باللَّه الْغَ ُر ُ‬
‫ور}‬ ‫صتُ ْم َو ْارَت ْبتُ ْم َوغَ َّرتْ ُك ُم األ ََمان ُّي َحتَّى َج َ‬ ‫َفَت ْنتُ ْم أَْن ُف َ‬
‫س ُك ْم َوَت َربَّ ْ‬
‫[ احلديد ‪. ] 14 :‬‬
‫(( ومنهم من يبعث فينطلق إلى أرض المحشر صرخ بأعلى صوته لبيك اللـهم لبيك )) من هذا ‍؟‬
‫هذا من مات بلباس اإلحرام ىف احلج والعمرة يبعث به ملبياً يوم القيامة ففى الصحيحني عن عبد‬
‫اللـه بن عباس رضى اللـه عنه قال ‪ :‬بينما رجل واقف مع النىب ‪ ‬بعرفة ‪ ،‬إذ وقع من راحلته ‪ -‬قال أيوب‬
‫‪ :‬فأوقصته فذكر ذلك للنىب‪ ‬فقال ‪ (( :‬اغسلوه بماء وسدر وكفنوه فى ثوبين وال تحنطوه ‪ ،‬وال‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم رقم (‪ )2878‬فى الجنة ‪ ،‬باب األمر بحسن الظن باهلل تعالى عند الموت ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫(‪)40‬‬

‫تخمروا رأسه ‪ ،‬فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً )) (‪. )1‬‬


‫(( ومنهم من يخرج منه دم اللون لون الدم ‪ ،‬والريح ريح المسك )) ‪.‬‬
‫من هؤالء يارسول اللـه قال ‪ (( :‬هم الشهداء فى سبيل اللـه )) ‪.‬‬
‫يقول ‪ (( : ‬والذى نفسى بيده ال يكلم أحد فى سبيل اللـه واللـه أعلم بمن يكلم فى سبيله إال‬
‫جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والعرف عرف المسك )) (‪. )2‬‬
‫أحبتى فى اللـه ‪:‬‬
‫حنب أن ننوه إىل أنه قد يظهر أمام الناس شخص قتل ىف غزوة أو معركة ويقال أنه شهيد وأنه ليس‬
‫كذلك ! ‪ ..‬ملاذا ؟!‬
‫ألنه ال يعلم السر وأخفى إال اللـه ‪ ،‬فال حتكم ألحد بالشهادة اجلازمة ىف الدنيا ‪ ،‬لذا ال يقال ‪:‬‬
‫الشهيد فالن ‪ ،‬ولكن قل نرجو اللـه أن يتقبله عنده ىف الشهداء ومن يعلم النيات غري اللـه !!‬
‫ومنهم من يبعث وبطنه منتفخة ال يقوى على القيام بل وال يستطيع اجللوس يتخبط عن ميينه وعن‬
‫مشاله يتكفأ على وجهه ‪،‬من هؤالء ؟!‬
‫هؤالء هم أكلة الربا ‪:‬‬
‫الش ْيطَا ُن ِم َن‬
‫وم الَّ ِذي َيتَ َخبَّطُهُ َّ‬‫ومو َن إِال َك َما َي ُق ُ‬ ‫ين يَأْ ُكلُو َن ِّ‬
‫الربَا ال َي ُق ُ‬
‫َّ ِ‬
‫قال اللـه تعاىل ‪ { :‬الذ َ‬
‫الربَا }‬‫َح َّل اللَّهُ الَْب ْي َع َو َح َّر َم ِّ‬ ‫ك بِأ ََّن ُه ْم قَالُوا إِنَّ َما الَْب ْي ُع ِمثْ ُل ِّ‬
‫الربَا َوأ َ‬ ‫س َذلِ َ‬
‫ال َْم ِّ‬
‫[ البقرة ‪. ‍] 275 :‬‬
‫انظروا معى إىل املشهد اآلخر ‪...‬‬
‫رجل يسري ىف أرض احملشر ومن حوله جمموعة من األطفال الصغار هذا يتعلق بيده وهذا يتعلق‬
‫بقدمه !! وهذا جيره جراً وهذا يدفعه دفعاً !! مشهد رهيب ‪َ ..‬م ْن هذا ؟! َم ْن هؤالء ؟!‪...‬‬
‫هذا هو آكل أموال اليتامى بالباطل وهؤالء هم اليتامى !!‬
‫صلَ ْو َن َس ِع ًيرا } ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ال الْيَتَ َامى ظُل ًْما إِنَّ َما يَأْ ُكلُو َن في بُطُونِ ِه ْم نَ ًارا َو َسيَ ْ‬ ‫{ إِ َّن الذ َ‬
‫ين يَأْ ُكلُو َن أ َْم َو َ‬
‫[ النساء ‪. ] 10:‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخارى رقم (‪ )1265‬فى الجنائز ‪ ،‬باب الكفن فى ثوبين ‪ ،‬ومسلم رقم (‪ )1206‬فى الحج باب ماذا يفعل المحرم إذا مات‬
‫‪ ،‬وأبو داود رقم (‪ )3238،3239‬فى الجنائز ‪ ،‬والنسائى (‪ )5/195‬فىالحج ‪ ،‬باب غسل المحرم بالسدر إذا مات ‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه البخارى رقم (‪ )2803‬فى الجهاد ‪ ،‬باب من يجرح فى سبيل اهلل ‪ ،‬ومسلم رقم (‪ )1876‬فى اإلمارة ‪ ،‬باب فضل الجهاد‬
‫والخروج فى سبيل اهلل ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار اآلخرة "نفخة البعث"‬ ‫(‪)41‬‬

‫ومنهم من يبعث من النساء وعليها جلباب من لعنة اللـه ودرع من النار وقد وضعت يدها على‬
‫رأسها وهى تسري على أرض احملشر وتقول ‪ :‬ياوياله‪ ...‬ياوياله ‪ ....‬أتدرون من هذه ؟!‬
‫قال رسول اللـه ‪ ‬إهنا النائحة ‪ ..‬النائحة هى الىت تسري خلف اجلنازة تبكى وتصرخ وتلطم وجهها‬
‫وتشق جيبها وتضع الرتاب على رأسها وتقول‪ ..‬ياوياله !!‪ ...‬ياوياله !!‬
‫ومنهم من يبعث وىف يده كأس اخلمر ‪..‬‬
‫ومنهم من يبعث وهو حيمل على كتفه ماسرقه ىف الدنيا ‪.‬‬
‫ْت بِ َما غَ َّل َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة }‬
‫قال تعاىل ‪ { :‬ومن ي ْغلُل يأ ِ‬
‫ََ ْ َ ْ َ‬
‫[ آل عمران ‪. ] 161 :‬‬
‫قال احلافظ بن كثري ‪ :‬لقد أجرى اللـه الكرمي عادته بكرمه أن من عاش على شىء مات عليه ‪ ،‬ومن‬
‫مات على شىء بعث عليه ‪.‬‬
‫فإن أردت أخى احلبيب أن تبعث على طاعة فأطع اللـه جل وعال ىف دنياك ‪ ،‬وإن زلت قدمك ىف‬
‫معصية فاحدث بعد املعصية توبة ‪ ،‬فإذا ما جاءك ملك املوت وأنت على طاعة ‪ .‬قبضك وأنت على‬
‫ذات الطاعة ‪ .‬وحشرت يوم القيامة ىف زمرة الطائعني حتت لواء سيد النبيني وقائد املرسلني حممد بن عبد‬
‫اللـه ‪. ‬‬
‫وأختم حديثى معكم عن هذا العنصر هبذين املشهدين اللذين خيلعان القلوب ‪.‬‬
‫شاب أمريكى من أصل أسباىن ‪ ،‬دخل على إخواننا املسلمني ىف إحدى املساجد ىف نيويورك ىف‬
‫مدينة "بروكلني" بعد صالة الفجر وقال هلم أريد أن أدخل ىف اإلسالم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬من أنت ؟ قال دلوىن‬
‫وال تسألوىن فاغتسل ونطق بالشهادة ‪ ،‬وعلموه الصالة فصلى خبشوع نادر احتقر رواد املسجد مجيعاً‬
‫أنفسهم أمام خشوع وسجود وبكاء هذا الشاب وتعجبوا حلاله ‪.‬‬
‫وىف اليوم الثالث خلى به أخ مصرى ذكى واستدرجه وقال ‪ :‬ياأخى باللـه عليك ما حكايتك ؟ قال‬
‫واللـه لقد نشأت نصرانياً وقد تعلق قلىب باملسيح عليه السالم ولكنىن نظرت ىف أحوال الناس فرأيت‬
‫الناس قد انصرفوا عن أخالق املسيح متاماً فبحثت عن اإلسالم وقرأت عنه فشرح اللـه صدرى لإلسالم‬
‫‪ ،‬ولكنىن ىف الليلة الىت دخلت عليكم فيها منت بعد تفكري عميق وتأملت ىف البحث عن احلق فجاءىن‬
‫املسيح عليه السالم ىف الرؤيا وأنا نائم وأشار ىل بسبابته هكذا ‪ ،‬وقال ىل ‪ :‬كن حممدياً ‪.‬‬
‫يقول ‪ :‬فخرجت أحبث عن مسجد فأرشدىن اللـه إىل هذا املسجد فدخلت عليكم وبعد هذا احلديث‬
‫القصري أَذَّ َن املؤذن لصالة العشاء ودخل هذا الشاب الصالة مع املصلني ‪ ،‬وسجد ىف الركعة األوىل ‪،‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫(‪)42‬‬

‫وقام اإلمام بعدها ومل يقم أخونا املبارك بل ظل ساجداً هلل فحركه من جبواره فسقط فوجدوا روحه قد‬
‫فاضت إىل اللـه جل وعال ‪ .‬اللـه أكرب‬
‫واستحلفك باللـه ياأخى ىف اللـه أن تتأمل طويال ىف هذه اخلامتة ‪.‬‬
‫وهذه أخت من مدينة السويس عادت مع زوجها بعد رحلة احلج ىف الباخرة سامل اكسربيس ‪،‬‬
‫وصرخ اجلميع فإن الباخرة تغرق ‪ ،‬وصرخ زوجها هيا اخرجى فقالت ‪ :‬واللـه لن أخرج حىت ألبس‬
‫حجاىب كله فقال ‪ :‬هذا وقت حجاب ! اخرجى ! فإننا سنهلك !! قالت ‪ :‬واللـه لن أخرج إال وقد‬
‫ارتديت حجاىب بكامله فإن مت ألقى اللـه على طاعة ‪ .‬فلبثت ثياهبا وخرجت مع زوجها ‪ .‬فلما حتقق‬
‫راض عىن ؟ فبكى ‪ .‬قالت هل أنت ٍ‬
‫راض‬ ‫اجلميع من الغرق تعلقت به وقالت استحلفك باللـه هل أنت ٍ‬
‫راض عنك فبكت املرأة التقية الشابة ىف ريعان شباهبا‬ ‫عىن ؟ فبكى ‪ .‬قالت أريد أن أمسعها قال واللـه إىن ٍ‬
‫وقالت ‪ :‬أشهد أن ال إله إال اللـه وأشهد أن حممداً رسول اللـه ‪ ،‬وظلت تردد الشهادة حىت غرقت فبكى‬
‫الزوج وهو ويقول ‪ :‬أرجو من اللـه أن جيمعنا هبا ىف اآلخرة ىف جنات النعيم ‪.‬‬
‫وها هو رجل عاش أربعني سنة يؤذن للصالة ال يبتغى إال وجه اللـه ‪ ،‬وقبل املوت مرض مرضاً‬
‫شديداً فأقعده ىف الفراش ‪ ،‬وأفقده النطق فعجز عن الذهاب إىل املسجد ‪ ،‬فلما اشتد عليه املرض بكى‬
‫وقال ىف نفسه ‪ :‬يارب أأذن لك أربعني سنة وأنت تعلم أىن ماابتغيت األجر إال منك ‪ ،‬وأحرم من اآلذان‬
‫ىف آخر حلظات حياتى ‪ .‬يقسم أبناءه أنه ملا حان وقت اآلذان وقف على فراشه واجته للقبلة ورفع اآلذان‬
‫ىف غرفته وما إن وصل إىل آخر كلمات اآلذان ال إله إال اللـه خر ساقطاً على الفراش فأسرع إليه بنوه‬
‫فوجدوا روحه قد فاضت إىل موالها ‪.‬‬
‫إنما األعمال بالخواتيم ‪.‬‬
‫وهذا شيخنا املبارك عبد احلميد كشك رمحه اللـه يقبض ىف ٍ‬
‫يوم أحبه من كل قلبه ىف يوم اجلمعة‬
‫يغتسل ‪ ،‬ويلبس ثوبه األبيض ‪ ،‬ويضع الطيب على بدنه وثوبه ويصلى ركعىت الوضوء ‪ ،‬وىف الركعة‬
‫الثانية وهو راكع خير ساقطاً فيسرع إليه أهلـه وأوالده ‪ ،‬فوجدوا أن روحه قد فاضت إىل اللـه جل فـى‬
‫عاله ‪ .‬لقد أجرى الكرمي عادته بكرمه ‪ .‬أن من عاش على شىء مات عليه ‪.‬‬
‫ومن مات على شىء بعث عليه ‪.‬‬
‫أسأل اللـه العظيم رب العرش الكرمي أن حيسن خامتتنا ‪ .‬إنه وىل ذلك والقادر عليه ‪.‬‬

‫‪ ...........‬الدع ـ ــاء‬

You might also like